نصائح للحد من خطر الإصابة بسرطان الثدي
تلعب التغذية السليمة والتمارين الرياضية أدوارًا مهمة في الحد من خطر الإصابة بسرطان الثدي ›
بقلم : الدكتور مايكل والش، الرئيس التنفيذي لمركز جونز هوبكنز أرامكو الطبي
ظهرت أحدث التوقّعات الصادرة عن "يورومونيتور إنترناشيونال" أن معدل استهلاك السجائر سوف يظل ثابتًا لهذا العام في المملكة العربية السعودية. وبحسب شركة الأبحاث أيضًا، من المتوقّع أن يشهد سوق السجائر الإلكترونية والتبغ المسخّن ومنتجات التبغ عديم الدخان توسّعًا هائلًا، ليرتفع حجمه خمسة أضعاف بحلول العام 2028. وهو أمر غير مستغرب، إذ تشير التقديرات أنّ ثلث الشباب السعودي يستخدمون السجائر الإلكترونية.
باختصار، لا يزال التدخين شائعًا في المملكة تمامًا كما هو الحال مع السجائر الإلكترونية بين الشباب. تغيير هذا الواقع سوف يتطلب تبني أساليب تعمد إلى تفعيل المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي بمهارة، باعتبار أنّ هذه الأساليب تتماشى بشكل أفضل مع كيفية استيعاب الشباب للمعلومات الواردة إليهم.
الخبر السار أن تبني هذه الأساليب يمثِّل إضافة إلى المجهودات البارزة والجارية حاليًا في أنحاء المملكة لمكافحة التدخين. فمنذ إطلاق الحملة الوطنية الأولى لمكافحة التدخين في أوائل الألفية الجارية، حظرت الدولة التدخين في الأماكن العامة وفرضت رسومًا بنسبة 100% على السجائر، كما أنشأت أكثر من 1,000 عيادة للمساعدة في الإقلاع عن التدخين في كافة أنحاء المملكة . كذلك، أطلق صندوق الاستثمارات العامة العام الماضي شركة "بدائل" التي تبيع أكياس النيكوتين المصنوعة في السعودية وتعمل على تطوير بدائل أخرى للتبغ للمدخين. وقد حقّقت هذه السياسات وغيرها نجاحًا كبيرًا.
أمّا التحدي الراهن، فيكمن في تعزيز هذه الجهود والبناء عليها والاستفادة من أحدث نماذج التوعية ومساعدة مليون سعودي على الإقلاع عن التدخين بحلول العام 2028 بما يتماشى مع طموحات المملكة في هذا الشأن.
في الواقع، يشكّل المؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي جوهر هذا النموذج التوعوي، وذلك لأنّهم، بكلّ بساطة، يمتلكون تأثيرًا هائلًا. فعلى سبيل المثال، يقول الشباب العرب إنّهم يفضّلون أن يصبحوا مؤثرين مشهورين بدلًا من أن يتابعوا مسيرتهم المهنية ليصبحوا طهاة من ذوي الشهرة الواسعة أو أن يعملوا كعارضي أزياء أو رواد أعمال أو أي مجال آخر . علاوًة على ذلك، يحتلّ المواطنون السعوديون أعلى المراتب عالميًا من حيث معدل انتشار يوتيوب (المرتبة الرابعة)، كما يستخدم أكثر من 90% من سكان المملكة ما بين 13 و34 عامًا منصة سناب شات ,.
والأهم من ذلك هو أنّ هذا التفاعل الإلكتروني عبر الإنترنت لا يقتصر على الهوايات أو الأنشطة في أوقات الفراغ فقط. فبحسب الأبحاث التي نشرتها وزارة الصحة، تبيّن أنّ السعوديين يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي بشكل متزايد لأغراض متعلّقة بالصحة – ما يمثّل بالفعل فرصة قوية يجب اغتنامها. ويتوافق ذلك مع نتائج عامة الأكثر شمولًا، والتي تفيد بأن منصات التواصل الاجتماعي يمكن استخدامها كأداة فعّالة لدعم حملات الصحة العامة ومجابهة الحملات المعارضة وإحداث تغييرات إيجابية في السلوكيات الصحية. ,
في هذا السياق أيضًا، تجدر الإشارة إلى دراسة حالة ملفتة في هنغاريا تم من خلالها التدقيق في نطاق انتشار فيديوهات مكافحة التدخين ومستوى التفاعل معها بعد أن نشرها أحد المؤثرين في مجال الصحة على تيك توك أندراس كولجا. فالمؤثر، الذي لم يملك في ذلك الوقت سوى عدد منخفض نسبيًا من المتابعين – حوالى 150,000 متابع –قام بنشر خمسة مقاطع فيديو تسلّط الضوء على مخاطر منتجات التبغ والسجائر الإلكترونية، منها ثلاثة فيديوهات كمنشورات دعائية مموّلة من الوكالة الهنغارية لمكافحة التدخين. حصدت هذه الفيديوهات 4.1 مليون مشاهدة واستطاعت أن تكسب إعجاب أو تعليق أو مشاركة على الأقلّ من 10% من المشاهدين، ما يُعتبر عائدًا جيدًا على الاستثمار.
على نحو مماثل، وفي وقت سابق من هذا العام، أطلقت أستراليا حملة على منصات التواصل الاجتماعي بقيادة المؤثرين بهدف رفع مستوى وعي الشباب بأضرار السجائر الإلكترونية . وقد شارك في هذه الحملة 10 مؤثرين يكسبون شهرة واسعة بين أوساط المراهقين من عمر 14 حتّى 20 عامًا، اثنان منهما قاما بمشاركة تجربتهما الشخصية حول إدمان السجائر الإلكترونية ثم الإقلاع عنها. حيث تعد القصص المليئة بالأحداث الشخصية والمحرّكة للعواطف عنصرُا محوريًا عند التواصل مع جيل تيك توك.
يمكننا تصور السيناريو نفسه في المملكة العربية السعودية، حيث يقوم مؤثرون محفّزون ومجهّزون بكل ما يلزمهم لقيادة حملات مكافحة التدخين والسجائر الإلكترونية بين الشباب السعودي. فالدعم الذي يقدّمه هؤلاء المؤثرون يعزّز من إمكانية تحقيق أهداف المملكة وذلك من خلال دعم التواصل مع فئات كان من الصعب الوصول إليها سابقًا. كذلك، تساعد هذه الحملات بقيادة المؤثرين في ربط الشباب السعودي بالعيادات المخصّصة لعلاجات الإقلاع عن التدخين وتوسيع معرفتهم بمعلومات الصحة العامة حول مخاطر التبغ والسجائر الإلكترونية. يضاف إلى ذلك أن هذه الحملات تساهم في إنشاء مجتمعات افتراضية مستدامة على منصات التواصل الاجتماعي تعمل على تشجيع المدخّنين من الشباب على الإقلاع عن التدخين وتقدّم لهم الدعم الذي يحتاجون إليه طوال هذه الرحلة.
لكن، من ناحية أخرى، لا يمكن تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الحملات ما لم تُفرض بعض القيود. فمنصات التواصل الاجتماعي "المفتوحة" أو "المتاحة للجميع بدون حدود" قد لاتصلح لتحقيق الأثر المنشود، حتّى مع أفضل النوايا. ولذلك، من الضروري أن يضع صنّاع السياسات في قطاع الصحة في المملكة مبادئ توجيهية صارمة للشراكات مع المؤثرين، وتعزيز المعرفة عبر وسائل الإعلام، وضمان نقل المعلومات بدقة عبر هذه المنصات بشكل عام. بعبارة أخرى، وكما ورد على لسان أحد الباحثين، "على الرغم من أنّ [الحملات على منصات التواصل الاجتماعي] يمكن أن تشكّل قوة إيجابية في عالمنا، من الضروري أن تخضع للمراقبة والتنظيم لتفادي أي أثر سلبي على المجتمع"12.
إنّ المؤثرين هم، وبكل ما للكلمة من معنى، "أصحاب السلطة" في عصرنا الحديث. فهم يؤثرون على ملايين الشباب الذين يصعب الوصول إليهم من خلال وسائل الإعلام أو نماذج التفاعل التقليدية. لذلك، يمكن لحملات الصحة العامة الهادفة إلى مكافحة التدخين والتي يقودها المؤثرون أن تحدث أثرًا قويًا في المملكة العربية السعودية وتقرّبها من تحقيق هدفها الطموح بوقف التدخين بحلول العام 2028، شرط تصميمها وتنفيذها بفعالية….